الجمعة، 13 فبراير 2009

قراءة فى رواية بركة السلوان


الحب والشهوة والسخرية في رواية بركة السلوانلعادل عبد المسيحبقلم: عويس معوضالحب هو الطهر حتى وان امتزج بالشهوة ، والشهوة الاحادية هى مجرد شهوة حيوانية خالية من الروح ، وليس المقصود بالسخرية مجرد الاستهزاء والانتقاص من اللامرغوب فيه والمبتذل ، إنها بديل اخلاقى وايديولوجى للا اخلاقىوايديولوجى للا اخلاقى الرديء، فهي تقدم الزمان والفضاء البديلين للزمن والفضاء المبوءين ،لأنها وعى انتقادي لا يصالح الواقع ولا يهادنه بقدر مايترصده ويدينه .وقبل أن نلج إلى أعماق الرواية علينا نقدم موجزا لها لكي يكون القارئ حاضر الذهن والرواية تحكى في خط متواز قصتين أساسيتين ، هما قصة الإطار الذي من خلالهما تتساقط قصص وإحداث فرعية ،كماهو الحال في ألف ليلة وليلة . القصة الأساسية الأولى هي لهنية زوجة النحاس عبد العال وابنتهما الصغيرة صفية التي وهبها الله جمالا ورثته من أمها واسمها صفية ، يستغل العامل جابر بالمدرسة سذاجة صفية ويصطادها بالحلوى مستغلا سذاجتها وفقرها وحرمانها ، ويستغل الناظر نجيب هذا الحدث مهددا جابر ليمارس معه الشذوذ ، وعندما يفتضح أمرهم لايجد عبد العال وزوجته هنية البد من ترك البلدة والنزوح إلى العاصمة حيث التوهة وسط الزحام والصخب ، هناك يعلو شان عبد العال بعد رحلة كفاح وتنشط هنية في تجارتها حتى يحققا مكاسب ونجاحات غير مسبوقة ويصبحا من كبار رجال الأعمال وتصبح صفية بمحض الصدفة نجمة سينمائية عندما يراها المخرج المعروف الذي يصور أمام محل والدها ، والقصة الموازية الأخرى لوائل ضابط الشرطة وزوجته البارعة الجمال د/ إيناس التي تحب السلطة وفى إحدى اللقاءات تتعرف لمدير الأمن محسن المغربي وتتنامى العلاقة بينهما بشكل غير مشروع حتى يكتشف أمرهما عن طريق شريط فيديو كان يسجل عليه المغربي شهواته ونزواته ؛وتتم سرقة الشريط ويدعو ضابطان وائل لمشاهدة الشريط الذي يدفعه لإطلاق النار عليهما وإطلاق النار لأحدهما عليه ليموت ثلاثتهم وينتهي الأمر لمحسن المغربي إلى الجنون وهروب إيناس إلى ارويا من خلال القصتين الرئيستين تتساقط قصص وأحداث صغيرة يتلاشى أبطالها وينتهي دورهم كل حسب تأثيره الذي أراده الكاتب للرواية ؛ فهناك أشخاص دبروا الكمين للناظر وجابر ؛ وهناك جمالات التي تغرى هنية بسقوط مقابل المال وهى جارته في السوق ؛ وفى قصة هنية أيضا شخصيات تومض وتنطفىءكالشيخ الذي هيأ الحياة لعبد العال وصاحب المحل الذي اشتغل فيه عبد العال وشربات وأم شربات جيران هنية في القاهرة ؛ وفى حياة وائل أيضا قصة مقتل بطرس بك الذي يقلب موته الحياة رأسا على عقب واتهام محمود احد شباب الجامعات الإسلامية بالبلدة وممارسات الحكومة في اعترافه باصطحاب أمه وأخته والضغط عليه من خلالهما ثم اكتشاف الحقيقة بقصة أخرى وان القاتل رغم اعتراف محمود هو شحات الذي جاء نتيجة علاقة غير شرعية قامت بين بطرس وشفيقة العاملة في سراية بطرس ........................................................................................................................................إذا نحن أمام رواية استطاع من خلالها المؤلف رصد أحداثه ليس من خلال قصة الإطار فحسب ، لكنه أيضا استطاع أن يكتب بطريقة مشوقة فعند نقطة معينة لحدث معين يصبح فيه القارىءمتشوقا لمعرفة نهاية الحدث ،يدور الكاتب الكاميرا وكأنه أشبه بسينارست بارع إلى حدث أخر لا يخلوا أهمية وتشويقا لما قبله حتى لا يستطيع الكاتب الإفلات من الرواية إلا بالانتهاء منها كاملة ،في لغة سلسة وسرد بسيط خال من التعقيد، معتمدا اعتمادا أساسيا على الحدث / البطل الاساسى لرواية تخلو من البطل الاساسى ، ويصبح الحدث هو البطل الحقيقي الذي ينمو في ذهن المتلقي حتى انهلا يستطيع إن يتذكر أسماء قدر مايشغله الحدث، ورغم ذلك لا تفلت منه الأحداث والتسلسل ولم لا والفرق بين الرواية والقصة والشعر ،أن الرواية تكتب بوعي شديد وشخصيات يرسمها الكاتب قبل الإمساك بقلمه .بدأ الكاتب روايته بهذه العبارة(لم تكن صفية تعلم أنها تخطو الخطوة الأولى نحو نهايتها ، وان شروطا ترتب لثورات جسدها الفائر ،ومن يستطيع التمتع بنار ثورات هذا الجسد ، لم يكن حظها وهى طفلة صغيرة يختلف عنه وهى امرأة تتمتع بكامل الأنوثة إلا من حيث قيادة القدر للبشر )وتبدأ الأحداث وتتشابك حتى اننى ظننت أنها احد المأخذ ، فما المصير الذي وضعه الكاتب لهذه الفتاة التي أعلن بديتها ؟ ولم توارت ؟ طيلة أحداث الرواية ظل غافلا عنها حتى يخبرنا في الصفحة (202) من الرواية التي تنتهي عند الصفحة (208) بان صفية تحولت إلى امرأة سحاقية لذا رفضت الزواج :( إلا أن مدام شاه التركية الأصل والمسئولة عن ملابسها السينمائية كانت تعلم الإجابة فكثيرا ما شاركتها فراشها في طقوس خاصة للشذوذ بين النساءوالذى اكتشفته لديها عند ملامستها لنهديها أثناء ضبط ملابسها في إحدى بروفات تصوير مشهد سينمائي فأشعلت نيرانها مما شجعها على التكرار الذي افقدها رشدها فانطرحت بها في اقرب مخدع لتبدأ رحلتها الثانية مع شاه التي رأت فيها جابر أخر )هذا الربط بين الصفحة الأولى والسطر الأول ينبئ بوعي شديد للكاتب وامتلاك خيوط الرواية التي تتشابك فلا تعرف أين تنتهي ؟ وينتهي هذا التشابك؟ وتتداخل وتمتزج، ثم يبدأ الكاتب، كالبهلوان في تسليك هذه الخيوط والسير بها إلى طريها ليكتشف القارئ الطريق والنهاية.هذا إلى جانب اختيار الأسماء بعناية فائقة تذكرنا بنجيب محفوظ، الذي كان يختار الأسماء ذات الدلالة.فالصغيرة الساذجة هي (صفية) وما لهذا الاسم من دلالة الطهر والنقاء والفراش هو (جابر)وماله من قسوة وجبروت ،والمدرسة اسمها (الأخلاق الحميدة ) وماله من دلالة عكسية وهى إحدى مؤشرات السخرية التي اشرنا إليها في العنوان مؤكدا انه يترصد الواقع ويدينه، والأم هي (هنية ) من الهناء والسعادة رغم شظف العيش وقسوته وهو أيضا الدلالة العكسية التي يشير بها إلى السخرية المقصودة ومع ذلك تحتمي بعفتها ، والزوج (عبد العال ) من العلو والرفعة .وان كنا رصدنا دلالة الاسم ،بقى أن أشير إلى انحياز الكاتب للعفة والحب / الطهر في شخصية هنية وزوجها الذي استطاع الكاتب أن ينتصر لهما في نهاية الرواية فيصل يهما إلى أعلى العليين لاحتمائهما بالعفة والحب / الطهر والرضا بالحلال فترد كلمة وجدت هنية في زوجها بركة سلوانها أكثر من خمس مرات ،وسخريته من اللا اخلاقى في إيناس وما للاسم من دلالة الأنس الذي قصد به الكاتب المعنى المضاد أيضا تماديا في السخرية ، وعشيقها محسن المغربي من الحسن المعنى المضاد أيضا للقبح نظرا لممارساتهوالذى اعتقد أن الكاتب تعمده ليسخر من تلك العلاقة ،ليصل يهما في النهاية إلى الهوة :الجنون لمحسن المغربي والهروب والاغتراب لإيناس الذان رفضا الطهر وقادتهم الشهوة إلى الخطيئة ،ووردت كلمة بركة سلوانها مرة واحدة لإيناس التي وجدت في محسن بركة سلوانها .هي النهاية التي يهمس بها الكاتب دون تصريح من خلال غلالة رقيقة ليجد القارئ ضالته في نصرة الفضيلة.ولكن رغم ذلك هناك بعض السقطات والمأخذ التي وقع فيها الكاتب منها،*تدخل الكاتب /الراوي رغم انسيابية الأحداث وإقحام ذاته (وهاهم الثلاثة في مواجهة صريحة وكل شيء على حاله )،وهناك تدخل صارخ يقف فيه كالخطيب عندما يكشف حقيقة موت بطرس وتبرئة محمود (عين الله الساهرة والتي لا تغفل ولا تنام تنظر لرعيتها بكل رحمة وترسل دفء حنانها للمظلوم حتى تخفف الأم ظلمه فهي العين الوحيدة فاحصة القلوب والكلى ) عبارة طويلة فيها إقحام لذات الكاتب رغم أن الحدث بين الدلالة دون هذا التدخل*مأخذ أخر في الحوار الذي دار بين إيناس والمغربي أثناء أحداث الأمن المركزي والإطاحة بوزير الداخلية تقول إيناس :( تفتكر تجار المخدرات عندهم القدرة دى وطيب ايه بقى وصلهم للعساكر يعنى يقدروا يدخلوا جوه معسكراتهم ويجمعوهم ويقنعوهم با الاندفاع اللى شفناه ده )أعتقد أن إنسانه بثقافة إيناس ولباقتها لا يخفى عليها المخطط ولا تلقى بحوار بهذا السذاجة*وأخيرا انفلات الزمن من الكاتب في الجزء الأخير من الرواية إذ أصبحت الأحداث تجرى بصرعة عجيبة اسبه بالأفلام المصرية رغم إحكام الأحداث طيلة الرواية والتي احكم الكاتب قبضته عليها..................................................................................................................................رغم هذه المأخذ يجب التنويه إلى قوة اللحظة والإمساك بها ببراعة مستمرا في سخريته مبينا الفرق بين الطهر واللا طهر وذلك يبدو جليا في توحد اللحظة الجنسية بين هنية وعبد العال وإيناس ومحسن المغربي (ص 165)فالكاتب اعتاد أن يفصل بين الأحداث عندما ينتقل بين حدث وأخر ولكن هنا لم يفصل واسترسل في الكتابة ليبين الوجه والوجه الأخر فالطهر وصل إلى قمة النشوة بين هنية وعبد العال بعد وصولهما إلى القمة وفى أوربا (التقى الجسدان حول بعضهما بقوة والتصقت التصاقا حتى كادت أنفاسه تفقد طريقها لرئتيه ترغب في الارتواء من الحب تأوهت حتى الصراخ ،نشوتها أفقدتها خشية المكان .....) ، ولم لا وهما يمارسان الحب / الطهر ويسترسل الكاتب دون فصل للمشهد الأخر : (التليفزيون في شقة المغربى أذاع خبرا هاما اسقط الكأس من يده حيث صدر قرارا بإقالة وزير الداخلية اثر فشله في السيطرة على أحداث الأمن المركزي ...هبط جالسا على الأرض واعتلت وجهه كآبة بالغة فهو احد رجال الوزير وان مستقبله مرهونا بوجوده )ارجوا أن أكون قد ألقيت الضوء على بعض من عتمات هذه الرواية وان أكون قد هيأت طريقا لقارئها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق